إلى رحمة الله

 

2- الشيخ عبد اللّه العلي المطوع رحمه الله

 1345-1427هـ = 1926-2006م

 

 

  

 

  

 

 

       وافت المنية في الساعة الثانية عشرة والنصف من ظهر يوم الأحد 9/8/1427هـ = 3/9/2006م أحدَ كبار فاعلي الخير وفارسي الدعوة والسياسة في دولة الكويت الشقيقة ، إثر أزمة قلبية ألمت به أثناء عمله في مكتبه ذاك الذي كان يزدحم عليه كل يوم مئات من ذوي الاهتمامات الكثيرة والحاجات المتنوعة من داخل الكويت وشتى أرجاء العالم ، وهو الشيخ أبو بدر عبد االله العلي المطوع رحمه الله رحمة واسعة. وبقلوب ملؤها الحزن وعيون مستعبرة شيّعته الكويت إلى مثواه الأخير يوم الاثنين 10/8/1427هـ = 4/9/2006م ، حيث دفن جثمانه بمقبرة «الصلبيخات» . وقد تواترت الأنباء أنه شارك في تشييع جنازته أكثر من 20 ألف من الكويتيين وغيرهم من مسلمي العالم الذين كانوا يحبونه لسبقه إلى فعل الخير وتفريج الكربة عن المسلمين وتحقيق كل عمل إسلامي يراه يعم خيره ويثبت نفعه للناس .

       وتقدم المشيعين نائبُ الأمير الكويتي ولي العهد الشيخ نوّاف الأحمد وأعضاء مجلس الأمة الكويتي نواب الكتلة الإسلامية ورئيس مجلس الأمة بالإنابة د. محمد البصيري ، وجمع غفير من قيادات العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين في الكويت والعالمين العربي والإسلامي ، وممثلي المرشد العام لجماعة الإخوان د. محمد سعد الكتاني والشيخ سيد عسكر، وعدد من سفراء دول العالم الإسلامي . ونظراً للعدد الكبير الذي تجمّع في تشييع الجنازة اضطرّ الحضور أن يؤدوا صلاة الجنازة ما يزيد عن 15 مرة . وأقيم العزاء بديوان العائلة بضاحية عبد الله السالم .

       كان الشيخ المطوّع أحد الرعيل الأول للإخوان المسلمين في الكويت وأحد أبرز أعلام الدعوة الإسلامية ورجالات العمل الخيري ومن الرعيل الأول للحركة الإسلامية والنشاط الإسلامي والعمل الدعوي في الكويت . تعرّف على الإمام حسن البنا رحمه الله (1324-1368هـ = 1906-1949م) مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ولقيه في موسم الحج بمكة المكرمة وذلك عام 1365هـ / 1946م ؛ حيث استمع إلى محارضراته بالمدينة المنورة ، وأهدى له الإمام كتابًا اسمه «الرحلة الحجازية» كما أهدى لأخيه عبدالعزيز المطوع كتابًا اسمه «حضارة العرب» لمؤلفه الفرنسي «غوستاف لوبون» (Gustave Lebon) (1769-1804م) وكَتَبَ لهما الإمام رحمه الله بهذه المناسبة الغالية بخطّ يده ذكرى تدعو إلى الأخوة في الله والتضامن بين المسلمين وتذكّر بهذا اللقاء التاريخي في هذه الأرض الطيبة ، ووقعها الإمام بخطّ يده .

       فانقطع إلى العمل الدعوي منذ شبابه ؛ فعاش حياته كلها حافلة بالعطاء والجهد والبذل في شتى المجالات . وظل عطاؤه الخيري وعمله الديني ونشاطه الدعوي نهرًا متدفقًا نهلت منه المعاهد والمؤسسات الدعوية والتعليمية والإسلامية في كل مكان في العالم وفي الكويت بالذات .

       ولا غرو فإن الشيخ – رحمه الله – تشرّب الدينَ منذ نعومة أظفاره ؛ فقد كان والده رجلاً متدينًا صالحًا يواظب على الصلاة بالجماعة . وكانت أسرته كلهانت أسرته كصلاة بالجماعة . ده رجلاً متدينًا صالحًا ملتزمة بالدين ؛ فكان والده يصطحبه إلى المسجد ولاسيما لصلاة الفجر، وغرس فيه حبّ الطاعة ومعنى الالتزام بالدين ونشّأه على الأخلاق الحميدة والقيم الدينية .

       وصار الفقيد رمزًا للعمل الإسلامي والنشاط الديني والعطاء الخيري في دولة الكويت المعطاءة ، وأصبح موردًا للعلماء والدعاة ، فكان يستضيفهم ويحسن وفادتهم ، ويعقد مجالس المحاضرات ومناسبات التذكير والإصلاح ، وأضحى مركزًا ومحورًا لكل صنيع ينصبّ في قناة الخير والدعوة والصلاح، وكسب بذلك كله خبرة واسعة في العمل الإسلامي العامّ، وعاد يحمل هموم أمته ، حتى صار أمّة برجل . وأسس عام 1370هـ / 1950م جمعية الإرشاد الإسلامي ، فكانت أول عمل إسلامي مؤسسيّ بالكويت ، كما أسس في مستهل الستينيات «جمعية الإصلاع الاجتماعي» فخلفت «الإرشاد» في مبادئها وأهدافها، وظلّ – رحمه الله – رئيسًا حتى وفاته لمجلس إدارة جمعية الإصلاح ومجلس إدارة مجلة «المجتمع» الصادرة عنها . وهي أقوى وأكبر المجلات الإسلامية في العالم كله شمولاً ؛ واهتمامًا بقضايا الأمة لحظة بلحظة ؛ وإيجادَ حلول لها ؛ واستقامةَ منهج ، واعتدلاً وتوسطاً ، ورفضًا لكل نوع من التعصّب والتطرف وضيق الأفق ؛ وصياغةَ عبارة ، وتمسكاً باللغة العربية الفصيحة الصحيحة الجارية في قناة لغة الكتاب والسنة. وهذه الأخيرة قيمة قلّما تتمسك بها مجلة سيّارة جامعة تتناول شتى الموضوعات والهموم الإسلاميّة .

       وكان شخصية إسلامية قوية مسموعة الكلمة في البلاد وخارجها ؛ حيث أكسبه عمله المخلص الدؤوب في سبيل العباد والبلاد والعقيدة والدين ، ثقلاً كبيرًا لايمكن أن يتجاهله الشعب أو الحكومة . وكان يكرّس ثقله دائمًا للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية ومحاربة كل مفسدة كان يلمسها تسري في المجتمع الذي قوامه الدين والعقيدة والذي أصبح مستهدفًا من قبل أعداء الإسلام وممثلى الثقافة الغربية ودعاة المجون والخلاعة والشرّ الذي صاروا من سوء الحظّ أقوياء ، ولاسيما فيما بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي.

       ولَعِبَ الفقيد الغالي دورًا طليعيًّا في تحرير الكويت من الاحتلال ؛ فأسهم بفعّالية في إنجاح مؤتمر جدة الشعبيّ وقد كاد يفشل من أجل كثرة الخلافات وتصارع وجهات النظر، فكان لتدخله المباشر في الوقت اللائق وقعٌ كبيرٌ في إعادة الأمور إلى نصابها. وتمخض المؤتمر عن تكوين مجلس يضم نحو 50 عضوًا من خيرة شخصيات الكويت برئاسة رئيس الوزراء ولي العهد آنذاك الشيخ سعد العبد الله الصباح. وعمل المجلس جاهدًا على الدفاع عن قضية الكويت وعدالتها . وأصدر صحيفة للدفاع عن الكويت في بريطانيا باسم «المرابطون» وللتنديد بالغزو والاحتلال العراقي . كما قام ببذل المال بسخاء على كل مناضل ومقاوم من الكويتيين . وذلك عن طريق آلية فعّالة أُوجِدَت بداخل الكويت ؛ فكان عند ذلك أبنًا بارًّا للكويت عمل على البرّ بها وتحرير رقابها عن العدوّ الذي شتّت الشمل ومَزَّق الجمع ومَهّد الطريق للاستعمار الأمريكي البريطاني الغربي الغاشم إلى الخليج العربي الذي فعلاً جثم على صدره لمدة لا يعلم مداها إلاّ الله . وأخيرًا تحررت الكويت بعدما أضاعت الكثير من الأرواح والممتلكات والثروات المعنوية والماديّة .

       كنتُ ذات مرة في رحلة ثقافية هادفة إلى الكويت في شهر رمضان المبارك ، وكنت بحاجة إلى مساعدة لإنهاء بناء الجامع في قريتي ، وكنت ولا أزال لا أعرف حتى ألف باء فن جمع التبرعات – ولستُ مُتَأَسِّفًا على هذا الجهل بهذا الفن بل إني ظلت فخورًا به وسأظلّ . ولهذا الموضوع حديثٌ أعهد القراء أني سأزّفه إليهم في مناسبة ما بتوفيق الله عزّ وجلّ – فأشار عليّ أحد الإخوة الهنود المخلصين بأن ألتقي الشيخ عبد الله العلي المطوع في مكتبه في الوقت الذي يلتقي فيه الوفود والمراجعين وذوي الحاجات . فعزمت على ذلك ، وقصدت مكتبه بعد صلاة العصر من يوم الخميس: 7/9/1414هـ الموافق 17/2/ 1994م، على هداية من أخ في الله كان يعرف موقع المكتب . فلما دخلتُ ساحتَه وجدتها غاصّة ، فأردت أن أرجع أدراجي؛ ولكن أحد الإخوان المعارف أمسك بيدي وقال لي : ماحاجتك ، فشرحتها له ، فقال تعالَ معي . فدخل بي مكتبَه واسترعى انتباه الشيخ المطوع ، وعَرَّفَ بي موجزًا تعريفًا كَرَّس قيمتي الكتابية باللغة العربية. ولكن الشيخ رغم ترحيبه بي امتنع عن تقديم مساعدة لي كانت خفيفة ولم تكن ثقيلة ، وإنما طلب مني تزكية أحد العلماء بالهند. ووعدني بأنه إثر تلقيه إيّاها سيرسل لي المساعدة، ومن ثم أبقى أوراقي عنده ؛ ولكنه رغم تكراري لإرسال تزكيات شافيه كافية من قبل العالم المذكور ، لم أتلق ردًّا منه رحمه الله . ولكني لم أرجع ذلك إلى سوء التصرف من قبل الشيخ المطوع ، وإنما حَمَلْتُه ولا أزال على ما لديّ من الخُرْق في فن جمع المساعدات والتبرعات التي كسبُ البراعة فيها لايحتاج إلى تضلّع من علم أو إتقاق للغة العربية أو غيرها من اللغات ، وإنما يحتاج إلى «التوفيق» الذي يحالف أناسًا ولايحالف آخرين بحكمة يعلمها الله ولن يعلمها أحد مهما كان ذكيّا فطنًا عرّافًا للأنصبة والجدود .

       وجزاه الله عما قام به لدينه وأمته ووطنه خير ما يجزي عباده الصالحين .

       كان رحمه الله عضوًا في مجلس إدارة الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية ، وعضوًا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ، وعضوًا في جمعية الهلال الأحمر، وعضوًا في عدد من المؤسسات الخيرية الإسلامية في داخل الكويت وخارجها .

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادى الأولى – جمادى الثانية 1428هـ = مايو – يوليو  2007م ، العـدد : 5–6 ، السنـة : 31.